فصل: ** دَرَّى يُدرِّي، دَرِّ، تدريةً، فهو مُدرٍّ، والمفعول مُدَرًّى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معجم اللغة العربية المعاصرة



.تفسير الآيات (57- 60):

{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)}
{مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} بيانٌ لكَونِ شأنِه تعالَى معَ عبادةِ متُعالياً عنْ أنْ يكونَ كشأنِ السَّادِة معَ عبيدِهم حيثُ يملكونَهُم ليستعينُوا بهمْ في تحصيلِ معايشهِم وتهيئةِ أرزاقِهم أيْ ما أريدُ أنْ أصرفَهُم في تحصيلِ رزْقي ولا رِزْقهم بلْ أتفضلُ عليهمْ برزقِهم وبَما يصلحُهم ويعيِّشَهم منْ عندِي فليشتغلُوا بمَا خُلِقوا لَهُ منْ عِبادِتي {إِنَّ الله هُوَ الرزاق} الذي يرزقُ كلَّ ما يفتقرُ إلى الرزقِ، وفيهِ تلويحٌ بأنَّه غنيٌّ عنْهُ وقرئ: {إنِّي أنَا الرزاقُ} {ذُو القوة المتين} بالرفعِ عَلى أنَّه نعتٌ للرزاقِ أوْ لذُو أَوْ خبرٌ بعدَ خبرٍ أوْ خبرٌ لمضمرٍ وقرئ بالجَرِّ عَلى أنَّه وصفٌ للقوةِ على تأويلِ الاقتدارِ أوِ الأيدِ.
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أيْ ظلُموا أنفسَهمُ بتعريضِها للعذابِ الخالدِ بتكذيبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أوْ وضعُوا مكانَ التصديقِ تكذيباً وَهُم أهلُ مكةَ {ذَنُوباً} أيْ نصيباً وافراً منَ العَذَابِ {مّثْلَ ذَنُوبِ أصحابهم} مثلَ أنصباءِ نُظَرائِهم منَ الأممِ المحكيةِ وهُو مأخوذٌ من مقاسمةِ السُّقاةِ الماءَ بالذَنوبِ وهُوَ الدلُو العظيمُ المملوءُ {فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} أيْ لا يطلُبوا منِّي أنْ أُعجِّلَ في المجىءِ بهِ يقالُ استعجَلهُ أيْ حثَّهُ عَلى العَجَلةِ وأمره بها ويقالُ استعجلَهُ أيْ طلبَ وقوعَهُ بالعجلةِ ومنْهُ قولُه تعالَى: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} وهُو جوابٌ لقولِهم {مَتَى هَذا الوعدُ إنْ كنُتم صادقينَ} {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} وضعَ الموصولَ موضعَ ضميرِهم تسجيلاً عليهم بِمَا في حيزِ الصلةِ منَ الكُفر وإشعاراً بعلةِ الحكمِ. والفاءُ لترتيبِ ثبوتِ الويلِ لهُم عَلى أنَّ لَهُم عذاباً عظيماً كَما أنَّ الفاءَ الأُولى لترتيبِ النَّهي عنْ الاستعجالِ عَلى ذلكَ، ومَنْ في قولِه تعالَى: {مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ} للتعليلِ أيْ يوعدونَهُ منْ يومِ بدرٍ وقيلَ يومُ القيامةِ وهُو الأنسبُ بَما في صدرِ السورةِ الكريمةِ الآتيةِ والأولُ هُو الأوفقُ لما قبلَهُ منْ حيثُ إنَّهما منَ العذابِ الذنيويِّ.
عنِ النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ والذارياتِ أعطاهُ الله تعالَى عشرَ حسناتٍ بعددِ كُلِّ ريحٍ هبتْ وجرتْ في الدُّنيا».

.سورة الطور:

.تفسير الآيات (1- 8):

{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)}
{والطور} الطُّورُ بالسُّريانية الجبلُ والمرادُ بهِ طورُ سينينَ وهُو جبلٌ بمدينَ سمعَ فيهِ مُوسى عليهِ السَّلامُ كلامَ الله تعالَى {وكتاب مُّسْطُورٍ} مكتوبٍ على وَجْهِ الانتظامِ فإنَّ السطرَ ترتيبُ الحروفِ المكتوبةِ والمرادُ بهِ القرآنُ أوْ ألواحُ مُوسى عليهِ السَّلامُ وهُو الأنسبُ بالطُّورِ أو مَا يكتبُ في اللوحِ أو ما يكتبُهُ الحفظةُ {فِى رَقّ مَّنْشُورٍ} الرقُّ الجلدُ الذي يكتبُ فيه استعيرَ لما يكتبُ فيهِ الكتابُ منَ الصحيفةِ، وتنكيرُهُمَا للتفخيمِ أوْ للإشعارِ بأنَّهما ليسَا مما يتعارفُه النَّاسُ {والبيت المعمور} أي الكعبةِ وعمارتُها بالحُجَّاجِ والعُمَّارِ والمجاورينَ أو الضراحُ وهوَ في السماءِ الرابعةِ وعُمرانُه كثرةُ غاشيتِه منَ الملائكةِ {والسقف المرفوع} أي السماءِ ولاَ يَخفْى حسنُ موقعِ العُنوانِ المذكورِ {والبحر المسجور} أي المملوءِ وهُو البحرُ المحيطُ أو الموقدُ منْ قولِه تعالَى: {وَإِذَا البحار سُجّرَتْ} فالمرادُ بهِ الجنسُ رُوي أنَّ الله تعالَى يجعلُ البحارَ يومَ القيامةِ نَاراً يسجرُ بَها نارَ جهنمَ.
{إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ} أَيْ لنازلٌ حَتْماً جَوابٌ للقسمِ وَقولُه تعالَى: {مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ} إِمَّا خبرٌ ثانٍ لأنَّ أَوْ صفةٌ لواقع وَمِنْ دافعٍ إمَّا مبتدأُ للظرفِ أوْ مرتفعٌ بهِ عَلى الفاعليةِ ومنْ مزيدةٌ للتأكيدِ. وتخصيصُ هذهِ الأمورِ بالإقسامِ بها لِمَا أنَّها أمُورٌ عظِامٌ تنبىءُ عنْ عِظمِ قدرةِ الله تعالَى وكمالِ علمهِ وحكمتِه الدالَّةِ عَلى إحاطتِه تعالَى بتفاصيلِ أعمالِ العبادِ وضبطِها الشاهدةِ بصدقِ أخبارِه التي مْن جُملتِها الجملةُ المقسمُ عَليها.

.تفسير الآيات (9- 16):

{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)}
وقولُه تعالَى: {يَوْمَ تَمُورُ السماء مَوْراً} ظرفٌ لواقعٌ مبينٌ لكيفيةِ الوقوعِ منبىءٌ عنْ كمالِ هولِه وفظاعتِه، والمَوْرُ الاضطرابُ والترددُ في المجيءِ والذهابِ وقيلَ هُو تحركٌ في تموجٍ قيلَ تدورُ السماءُ كما تدورُ الرَّحَا وتتكّفأُ بأهلِها تكفؤَ السفينةِ وقيلَ تختلفُ أجزاؤُها {وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً} أيْ تزولُ عن وَجْه الأرضِ فتصيرُ هباءً، وتأكيدُ الفعلينِ بمصدريِهما للإيذانِ بغرابتهِما وخروجهِما عنِ الحدودِ المعهودةِ أيْ موراً عجيباً وسيراً بديعاً لا يُدركُ كُنْهُهما.
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} أيْ إذَا وقعَ ذلكَ أوْ إذَا كانَ الأمرُ كَما ذكرَ فويلٌ يومَ إذْ يقعُ ذلكَ لَهُم {الذين هُمْ فِي خَوْضٍ} أي اندفاعِ عجيبٍ في الأباطيلِ والأكاذيبِ {يَلْعَبُونَ} يلهوُن {يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} أيْ يدفعونَ إليَها دفعاً عنيفاً شديداً بأَنْ تغلَّ أيديهمْ إلى أعناقِهم وتجمعَ نواصيهِم إلى أقدامِهم فيدُفعُوا إِلى النارِ وَقرئ: {يُدْعَوْنَ} منَ الدُّعاءِ فيكونُ دعَّا حالاً بمَعْنى مدعوينَ. ويومَ إمَّا بدلٌ منْ يومَ تمورُ أَوْ ظرفٌ لقولٍ مقدرٍ قبلَ قولِه تعالَى: {هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} أيْ يُقالُ لَهُم ذلكَ ومَعنْى التكذيبِ بَها تكذيبُهم بالوحِي الناطقِ بَها وقولُه تعالَى: {أَفَسِحْرٌ هذا} توبيخٌ وتقريعٌ لَهُم حيثُ كانُوا يسمُّونَهُ سِحْراً كأنَّه قيلَ كُنتم تقولونَ للقرآنِ الناطقِ بهذا سحرٌ فهَذا أَيْضاً سحرٌ. وتقديمُ الخبرِ لأنَّه محطُّ الإنكارِ ومدارُ التوبيخِ {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} أيْ أَمْ أنتُم عُمْيٌ عنِ المُخبَر عَنْه كما كُنتم عمياً عن الخبرِ، أو أمْ سُدَّتْ أبصارُكم كما سُدَّتْ في الدُّنيا على زعمكِم حيثُ كُنْتم تقولونَ {إنَّما سكّرتْ أبصارُنَا بَلْ تحنُ قومٌ مسحورونَ} {اصلوها فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} أي ادْخلُوهَا وقاسُوا شدائدَهَا فافعلُوا ما شئِتُم منَ الصَّبرِ وعدمِه {سَوَاء عَلَيْكُمْ} أي الأمرانِ في عدمِ النفعِ لاَ بدفعِ العذابِ ولا بتخفيفهِ وقولُه تعالَى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} تعليلٌ للاستواءِ فإنَّ الجزاءَ حيثُ كانَ واجبَ الوقوعِ حتماً كان الصبرُ وعدمُه سواءً في عَدمِ النَّفعِ.

.تفسير الآيات (17- 21):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)}
{إِنَّ المتقين فِي جنات وَنَعِيمٍ} أيْ فِي آية جناتٍ وأيِّ نعيمٍ عَلى أنَّ التنوينَ للتفخيمِ أوْ في جناتٍ ونعيمٍ مخصوصةٍ بالمتقينَ عَلى أنَّه للتنويعِ {فاكهين} ناعمينَ متلذذينَ {بِمَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} وَقرئ: {فكهينَ} و{فاكهونَ} على أنَّه الخبرُ والظرفُ لغوٌ متعلقٌ بالخبرِ أوْ خبرٌ آخرُ {ووقاهم رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم} عطفٌ عَلى آتاهُم عَلى أنَّ مَا مصدريةٌ أوْ عَلى خبرِ إنَّ، أوْ حالٌ بإضمارِ قَدْ إمَّا منَ المستكن في الخبرِ أو في الحال وإمَّا من فاعلِ أَتي أوْ منْ مفعولِه أو منهُما، وإظهارُ الربِّ في موقعِ الإضمارِ مضافاً إلى ضميرِهم للتشريفِ والتعليلِ {كُلُواْ واشربوا} أيْ يقالُ لَهُم كُلوا واشربُوا أكلاً وشرباً {هَنِيئَاً} أوْ طعاماً وشراباً هنيئاً وهُو الذَّي لا تنغيضَ فيهِ {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بسببِه أو بمقابلتِه، وقيلَ: الباءُ زائدةٌ ومَا فاعلُ هنيئاً أيْ هَناكُم مَا كنتُم تعملونَ أي جزاؤُه {مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} مصطّفةٍ {وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} وقرئ: {بحورِ عينٍ} على إضافةِ الموصوفِ إلى صفتِه بالتأويلِ المشهورِ وقرئ: {بعينٍ عينٍ}، والباءُ معَ أن التزويجَ مما يتعدى إلى مفعولينِ لما فيهِ من مَعْنى الوصلِ والإلصاقِ أو للسببيةِ إذْ المَعْنى صيَّرناهُم أزواجاً بسببِهن فإنَّ الزوجيةَ لا تتحققُ بدونِ انضمامِهن إليهمْ وقولُه تعالَى: {والذين ءامَنُواْ} إلخ كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ لبيانِ حالِ طائفةٍ من أهلِ الجنةِ إثرَ بيانِ حالِ الكُلِّ وهُم الذينَ شاركتْهم ذريتُهم في الإيمانِ وهُوَ مبتدأٌ خبرُه ألحقنا بِهم وقولُه تعالَى: {واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} عطفٌ على آمنُوا وقيل: اعتراضٌ وقولُه تعالَى: {بإيمان} متعلقٌ بالاتّباعِ أيْ اتبعتْهم ذريتُهم بإيمانٍ في الجُملةِ قاصرٍ عن رتبةِ إيمانِ الآباءِ، واعتبارُ هذا القيدِ للإيذانِ بثبوتِ الحكمِ في الإيمانِ الكامل أصالةً لا إلحاقاً وقرئ: {ذرياتُهم} للمبالغةِ في الكثرةِ وذِرياتهم بكسرِ الذالِ وقرئ: {وأتبعناهُم ذرياتِهم} أي جعلناهُم تابعينَ لهم في الإيمانِ وقرئ: {أتبعْتُهم} {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} أيْ في الدرجةِ كَما رُوي أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: «إنَّه تعالَى يرفعُ ذريةَ المؤمنِ في درجتهِ وإنْ كانُوا دونَهُ لتقرَّ بهم عينُه ثم تلاَ هذهِ الآيةَ» {وَمَا ألتناهم} وما نقصنَا الآباءَ بهذَا الإلحاقِ {مّنْ عَمَلِهِم} منْ ثوابِ عملهم {مِن شَىْء} بأنْ أعطينَا بعضَ مثوباتِهم أبناءَهُم فتنقصَ مثوبتُهم وتنحطَّ درجتُهم وإنما رفعناهُم إلى منزلتِهم بمحضِ التفضلِ والإحسانِ وقرئ: {ألِتْنَاهُم} بكسرِ اللامِ من ألِتَ يألَتُ كعِلم يعلمَ والأولُ كضرَبَ يضرِبُ ولِتناهُم منْ لاَت يليتُ وآلتناهُم من آلَتَ يُؤُلِتُ ووَلَتْناهُم منْ وَلَتْ يَلِتُ والكلُّ بمَعْنى واحدٍ.
هَذا وقدْ قيلَ الموصولُ معطوفٌ على حُورٍ، والمَعْنى قرنَّاهُم بالحورِ وبالذينَ آمنُوا أيْ بالرفقاءِ والجلساءِ منُهم فيتمتعونَ تارةً بملاعبة الحُورِ وأُخرى بؤانسةِ الإخوانِ المؤمنينَ.
وقولُه تعالَى واتبعتُهم عطفٌ على زوجناهُم وقولُه تعالى بإيمانٍ متعلقٌ بما بعدَهُ أي بسببِ إيمانٍ عظيمٍ رفيعِ المحلِّ وهو إيمانُ الآباءِ ألحقنا بدرجاتِهم ذريَّتهم وإنْ كانُوا لا يستأهلونَها تفضلاً عليهم وعلى آبائِهم ليتِمَّ سرورُهم ويكملَ نعيمُهم أو بسببِ إيمانٍ دانِي المنزلةِ وهو إيمانُ الذريةِ كأنه قيلَ: بشيءٍ من الإيمانِ لا يؤهلُهم لدرجةِ الآباءِ ألحقناهُم بهمْ {كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} قيلَ: هو فعيلٌ بمَعْنى مفعولٍ والمَعْنى كلُّ امرىءٍ مرهونٌ عندَ الله تعالى بالعملِ الصالحِ فإنْ عمِلَه فكَّه وإلا أهلكه وقيلَ: بمعنى الفاعلِ والمَعْنى كلُّ امرىءِ بما كسبَ راهنٌ أيْ دائمٌ ثابتٌ وهَذا أنسبُ بالمقامِ فإن الدوامَ يقتضِي عدمَ المفارقةِ بينَ المرءِ وعمله ومن ضرورتِه أنْ لا ينقصَ من ثوابِ الآباءِ شيءٌ فالجملةُ تعليلٌ لما قَبْلها.

.تفسير الآيات (22- 25):

{وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25)}
{وأمددناهم بفاكهة وَلَحْمٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ} وزدناهُم عَلى ما كانَ لَهُم منْ مبادِي التنعمِ وقتاً فوقتاً ما يشتهونَ من فنونِ النعماءِ وألوانِ الآلاءِ {يتنازعون فِيهَا} أي يتعاطَون فيها هُم وجلساؤُهم بكمالِ رغبةٍ واشتياقٍ كما ينبىءُ عنه التعبيرُ عن ذلكَ بالتنازع {كَأْساً} أي خمراً تسميةً لَها باسمِ محلِّها {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا} أيْ في شُربها حيثُ لا يتكلمونَ في أثناءِ الشربِ بلغوِ الحديثِ وسقَطِ الكلامِ {وَلاَ تَأْثِيمٌ} ولا يفعلونَ ما يؤثمُ به فاعلُه أي ينسبُ إلى الإثمِ لو فعَلُه في دارِ التكليفِ كما هو ديدنُ المنادمينَ في الدُّنيا وإنما يتكلمونَ بالحِكمِ وأحاسنِ الكلامِ ويفعلونَ ما يفعلُه الكرامُ، وقرئ: {لا لغوَ فيها ولا تأثيمَ} بالفتح {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} أي بالكأسِ {غِلْمَانٌ لَّهُمْ} أي مماليكُ مخصوصونَ بهم وقيلَ: هم أولادُهم الذين سبقوهُم {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} مصونٌ في الصَّدفِ من بياضِهم وصفائِهم أو مخزونٌ لأنه لا يخزنُ إلا الثمينُ الغالِي القيمةِ. قيلَ لقَتَادة: هذا الخادمُ فكيفَ المخدومُ؟ فقالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيدهِ إنَّ فضلَ المخدومِ على الخادمِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ. وعنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: إنْ أدنى أهلِ الجنةِ منزلةً منْ يُنادي الخادمَ من خدامِه فيجيبُهُ ألفٌ ببابِه لبيكَ لبيكَ {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} أيْ يسألُ كلُّ بعضٍ منهم بعضاً آخرَ عنْ أحوالِه وأعمالِه فيكونُ كلُّ بعضٍ سائلاً ومسؤولاً لا أنه يسألُ بعضٌ معينٌ منهم بعضاً آخرَ معيناً.

.تفسير الآيات (26- 33):

{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
{قَالُواْ} أي المسؤولونَ وهم كلُّ واحدٍ في الحقيقةِ {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ} أي في الدُّنيا {فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أرقاءَ القلوبِ خائفينَ من عصيانِ الله تعالى معتنين بطاعتِه أو وجلين من العاقبةِ {فَمَنَّ الله عَلَيْنَا} بالرحمةِ أو التوفيقِ للحقِّ {ووقانا عَذَابَ السموم} عذابَ النارِ النافذةِ في المسامِّ نفوذَ السمومِ وقرئ: {ووقَّانا} بالتشديدِ {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ} أيْ نعبدُه أو نسألُه الوقايةَ {إِنَّهُ هُوَ البر} المحسنُ {الرحيم} الكثيرُ الرحمةِ الذي إذا عُبدَ أثابَ وإذا سُئلَ أجابَ وقرئ: {أنَّه} بالفتحِ بمَعْنى لأَنَّه {فَذَكّرْ} فاثبُت على ما أنتَ عليهِ من التذكيرِ لما أُنزلَ إليك من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ ولا تكترثْ بما يقولونَ مما لا خيرَ فيه من الأباطيل.
{فَمَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ} بحمدِه وإنعامِه بصدقِ النبوةِ ورجاحةِ العقلِ {بكاهن وَلاَ مَجْنُونٍ} كما يقولونَ قاتلهم الله أنَّي يُؤفكون {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} وهو ما يقلقُ النفوسَ ويشخصُ بَها من حوادثِ الدهرِ وقيلَ: المنونُ الموتُ وهو في الأصلِ فَعُولٌ مَنَّه مَه إذا قطَعُه لأنَّ الموتَ قطوعٌ أي بلَ أيقولونَ ننتظرُ به نوائبَ الدهرِ {قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ المتربصين} أتربصُ هلاككُم كما تتربصونَ هلاكيَ وفيه عِدةٌ كريمةٌ بإهلاكِهم {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أحلامهم} أي عقولُهم {بهذا} أي بهذا التناقضِ في المقالِ فإن الكاهنَ يكونُ ذا فطنةٍ ودقةٍ نظرِ في الأمورِ والمجنونَ مُغطى عقلُه مختلٌّ فكرُهُ والشاعرَ ذُو كلامٍ موزونٍ متسقٍ مخيلٍ فكيفَ يجتمعُ أوصافُ هؤلاءِ في واحدٍ. وأمرُ الأحلامِ بذلكَ مجازٌ عن أدائِها إليهِ {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} مجاوزونَ الحدودَ في المكابرةِ والعنادِ لا يحومونَ حولَ الرشدِ والسَّدادِ، ولذلك يقولونَ ما يقولونَ من الأكاذيبِ الخارجةِ عن دائرةِ العقولِ والظنونِ وقرئ: {بَلْ هُمْ} {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} أي اختلقَهُ من تلقاءِ نفسِه {بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} فلكفرهم وعنادِهم يرمونَ بهذه الأباطيل التي لا يخفى على أحدٍ بطلانُها، كيف لا وما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا واحدٌ من العربِ فكيف أتى بما عجزَ عنه كافةٌ الأممِ من العربِ والعجمِ.